[size=18]هيأت أمي فراشاً وثيراً
من رياش الحمائم حشت الوسادة
صبغت غرفتي بلون المرايا
وتمنت علي عهد السعادة
ثم قالت هذه عروسك
هيا إنها الدر نهجا ونجادة
فرفضت وقلت يا أم حيدي
إن عرسي في الأرض يوم الشهادة
يوم ألقى حور الجنان
ودمي فوق صدري وسام كالقلادة
حين تصبح الجراح صلاة
وصلاة الجراح أحلى عباده..
هذه الكلمات تغنى بها الشهيد رائد مسك قبل استشهاده بيومين ولكن لم يدر بخلد "أم مؤمن" أنه كان يرثي نفسه بها يودعها أخر وداع.
بطاقة قسامية
الاسم الرباعي: رائد عبد الحميد عبد الرزاق مسك "أبو مؤمن".
تاريخ الميلاد: 24/1/1974.
مكان السكن: حي وادي أبو كتيلة غرب مدينة الخليل.
المهنة: مدرس في مدرسة رابطة الجامعين الثانوية.
الحالة الاجتماعية: متزوج منذ تاريخ 25/8/1998.
له من الأبناء مؤمن (3 سنوات) وسما (22 شهراً) ورائد الذي سمي على اسم أبيه حيث ولد بعد استشهاده بأربعة أشهر..
تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة الجزائر ثم المدرسة الشرعية للبنيين حيث التحق ليكمل الدراسة إلاعداديه ثم الثانوية وحصل على معدل 65%في الفرع العلمي، التحق بكلية المجتمع في الأردن وأكمل السنة الثانية وعاد إلى جامعة الخليل حيث التحق بكلية الشريعة وحصل على شهادة البكالوريوس، وبعد تخرجه عمل كمدرس في مدرسة رابطة الجامعين الثانوية، انتسب قبل عامين لجامعة النجاح الوطنية من أجل الحصول على شهادة الماجستير التي خصص رسالتها عن مخطوطة "بيان جهد المقل في التفسير والقراءات".
حياته
لم أعهد أبا مؤمن رجلا عسكرياً ولا يتحدث كثيراً في السياسة كان كل حديثه ينصب حول القرآن وإعجازه وأحكامه وأوامره ونواهيه، كان يتحدث كثيرا عن الأخلاق والعبادات والآداب العامة وكان يحب المطالعة وخصوصا قراءة القرآن الكريم وتدبر أحكامه.
وتضيف "أم مؤمن" كان زوجي واصلاً لرحمه علماً بأن له (11) شقيقة إلا أنه كان يزورهن باستمرار، تقول إنه كان يزورهن في الأعياد ويقدم لهن عيدية خاصة به وعيدية خاصة بوالده.. في اليوم الذي سبق العملية اشترى أبو مؤمن العديد من الأشرطة الإسلامية وقام بإهدائها لأشقائه وشقيقاته وآخر لقاء بيننا كان عندما طلب مني زيارة إحدى شقيقاته وطلب منها أن يكون الطعام على حسابه وبعد تناول الطعام همس في إذن شقيقته كي تصر علينا للمبيت عندها دون أن أعلم أنا، وربما كان هذا جزء من تكتيكه لنجاح العملية وقمنا فعلا بالمبيت عندها وتضيف "أم مؤمن" بأنه كان مثال الزوج الصالح وأقسمت أنه لم يكن على وجه الأرض من هي أسعد مني معه وكان حريصا جدا على ربطنا بالقرآن وكان يساعد طفله مؤمن على قراءة القرآن والآن ابني يحفظ سورة تبارك والنبأ والعديد من السور القصيرة، وكان معروفاً بـ "بتفريج الكرب" واذكر أنه كان لا يبيت ليلة إذا قصده ذا حاجه حتى يقضي له حاجته وكان كثيرا ما يعطي من يحتاج نقودا حتى لو كان بحاجة ماسة لها. وكان يحب الأطفال بشكل لا يوصف ويحب إطعامهم بنفسه وعندما كان الأطفال يتأخرون في تناول الطعام كان يقول لهم من يحضر وعاءه فارغا سأصطحبه معي إلى السوبر ماركت فكان الأطفال يتسابقون في تناول الطعام.
كان شديد الارتباط بأطفاله وزوجته وكان يضع في برنامجه دوما أن يأخذ عائلته إلى المطاعم ومحلات الحلوى ويحرص أن يزور أقاربه، تقول زوجته: "كنت أشعر بالحياء عندما كنا نسير سويا في الشارع لكثرة معارفه. يطرح التحية على هذا ويصافح هذا ويتحدث مع هذا وكان ذو شعبيه كبيرة"
وتتذكر "أم مؤمن" أنه أحضر لها جهاز كمبيوتر كهدية في ذكرى زواجهم الأول
معلم لأستاذه
في الحقيقة سمعنا الكثير الكثير عن الشهيد رائد وأروع القصص التي رويت عنه فقد سئل يوما وهو على مقاعد الدراسة من قبل أستاذ له كان رائد يقدره ويحترمه، سأله الأستاذ: ما هي أمنيتك يا رائد، فأجاب بتواضع أن أصبح مثلك يا أستاذ، وبعد سنوات عده قابل هذا الأستاذ تلميذه رائد فأنبهر منه وأعجب به وقال له لقد حقق الله أمنيتك وزيادة.
ومضت بضع سنين ويحدثنا أحد الأساتذة الذين درّسوا رائد في المرحلة الثانية أنه علّمه في المدرسة وبعد عدة سنوات فوجئ بأن الشخص الذي يشرف على مادة امتحان التجويد في مسجد علي البكاء ما هو إلا تلميذه رائد.
تقول زوجته "إنه تمكّن من حفظ القرآن الكريم كاملاً وعمره (15) عاما وكان لا يتحدث في أي أمر إلا ويكون القرآن زينة حديثه وهمسه وكلامه، وكان يصف لي شغفه بالقرآن كلما تحدث معي بأي حديث فكان يقول أن كل حرف من القرآن يحتوي على كنز وكل كلمه تحوي على حكم كثيرة وكان الشهيد خطيبا مفوها فكثيراً ما كان يلقي خطبة في مسجد الحرس شمال مدينة الخليل ومسجد علي البكاء وسطها وكان فارس لمنابر الخليل لم يترك منبرا إلا اعتلاه وكان صواماً قواماً ولا يصلي الصلاة إلا في المسجد".
وتتابع "أم مؤمن" قائلة: كان يحب الشيخان صلاح الخالدي وعبد الفتاح أبو غدة ويحب مؤلفاتهما والتي تتحدث عن إعجاز القرآن الكريم.
وكان يحرص على اقتناء الكتب الإسلامية ويوجد لديه مكتبه في هذا الصدد، ويحب المطالعة.
كان دائم الترديد "اللهم ارزقني الشهادة قبل الشهادة" ويقصد الشهادة في سبيل الله قبل نيله شهادة الدكتوراة التي كان يسعى إليها وكنت كلما سمعت هذا الدعاء أرد عليه قائلة "الّلهمّ ارزقه الشهادة بعد طول عمر وطول عمل" وكان يغضب مني إذا سمع هذا الدعاء.
بار بوالديه
تقول "أم مؤمن" إن الشهيد اعتقل لدى الجانب الصهيوني قبل (14عاماً) ومكث في السجن لمدة عام وشاء الله أن تتوفى والدته وهو في السجن حيث تألم لموتها بصوره لا توصف وكان طوال 14 عاماً يبكي لوفاتها، وكلما استحضر سيرتها يبكي بحرارة وقد اعتاد في المناسبات أن يكرّم شقيقاته مرتين مرة عنه شخصيا ومره أخرى عن والده، وتضيف أنها لم تلحظ أي تحول في حياة رائد في الآونة إلا خيره، سوى أنها سمعته في اليوم الذي سبق استشهاده ينشد: "روحي تاقت للجنة وللشهادة استعجلنا"،
وردد أمامها هيئت لي أمي فراشا وثيراً ….. ريش الحمائم حشت الوسادة والتي بدأنا تقريرنا هذا بها وطلب منها إن أنجبت مولوداً ذكراً أن تسمّيه يحيى، وتقول: "لقد استغربت من هذا الاختيار، وبالرغم من ذلك لو أنجبت ولدا سأسميه رائد"، وكانت "أم مؤمن" عندما استشهد زوجها حاملاً في شهرها الخامس.
وتضيف "أم مؤمن" لو قدر لرائد أن يعود من جديد لفرحت كثيرا وعزائي الوحيد أنه شهيد يعيش في حياة كريمة ولكنني سعيدة أكثر باستشهاده.
جاء البشير
وتقول أم مؤمن أول من بشّرها باستشهاد زوجها هو ابنها مؤمن "كنت منهمكة في العمل بعد عودتي من منزل شقيقة رائد حيث جاء إليها مؤمن وأخبرها بأنه شاهد صورة والده على التلفاز وهو يحمل باروده في يده اليسرى والقرآن الكريم في اليد اليمنى" وتقول أن مؤمن قال حينها يا أمي لقد ذهب أبي إلى نابلس ومن هناك صعد للجنة.. وتضيف عندما ذهبت إلى التلفاز وجدت أن الخبر صحيحاً وقد تلقيت الخبر بقوة وإرادة بالرغم من أنني حزينة على فراقه.
وتصف "أم مؤمن" لحظاتها الأخيرة معه قائلة إن الشهيد تعمد أن يصطحبني أنا والأطفال إلى منزل شقيقته وقال بأنه سوف يعمل وليمه على حسابه وبعد المغرب طلب من أخته أن تلح عليه للمبيت عندها دون أن تعلم وقد نمنا تلك الليلة عندها.
وتقول شقيقته بأنها لاحظت بأن رائد كان يقوم الليل ويتوجه إلى الله بالدعاء وكان منهمكاً في قراءة القرآن وشاهدته وهو يتنقل بين الغرف وشعرت أنه لم ينم للحظه واحدة وهو يراقب النوافذ والأبواب.
وبعد أذان الفجر توضأ ثم خرج للصلاة وقال إنه سوف يذهب إلى مدينة نابلس من أجل رسالة الماجستير وبعد أن خرج من المنزل عاد إلى زوجته وودعها قائلاً ربما لن أراك وربما اعتقل أو استشهد، وكان كلما خرج إلى نابلس يقول لي هذه العبارات وقد اعتدنا عليها سوياً وهذا ما جعلني ألا أرتاب من الأمر وقال لي إنه سوف يتصل بي عندما يصل إلى الجامعة فانتظرت باقي اليوم ولم يتصل بي وشعرت في ساعات المساء بالقلق.
وتضيف أن الشهيد أعطاها 50 ديناراً قبل خروجه وأعطى شقيقته 50 ديناراً، وتضيف بالرغم من هدوء شخصيته رائد إلا أنه كان يتأثر للمجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.
توفيق رباني
وتضيف "أم المؤمن" لا اذكر أن رائد دخل منطقة القدس الغربية ولو لمرة واحده في حياته.. إن ما حصل هو معجزة ربانية وتوفيق من الله وحده، وبحسب المعلومات الاستخباراتيه فإن رائد تخفى بزي مستوطنين يهود وصعد إلى الحافلة رقم 12 التي كانت قد خرجت للتو من ساحة البراق وكانت الحافلة مزدوجة حيث صعد رائد من الباب الخلفي، وفي العادة كانت الاستخبارات الصهيونية تجمع معلومات عامة عن الشهيد للمساهمة في تشخيصه من قبل المارّة وركاب الحافلة لكن هذه المرة لم تستطيع جمع المعلومات حيث لم يلاحظ أحد أن الذي صعد إلى الحافلة سيفجر نفسه بعد لحظات.
وقالت المخابرات أيضا أن العبوة التي انفجرت في الحافلة تزيد عن 5 كغم وكانت محشوة بالقطع الحديدية والمسامير.مما أدى إلى مقتل الـ 20 مستوطناً وإصابة 150 آخرين بجروح.
سيد الموقف
وفي اليوم التالي لسماع نبأ العملية توجهنا إلى منزل الإستشهادي رائد مسك وشاهدنا ما أدهشنا فقد شاهدنا زوجة الشهيد والقائد القسامي عبد الله القواسمة "أم أيمن" تخطب في جمهور غفير من النساء كنّ قد توجهن لتقديم التهاني باستشهاد رائد بالرغم من الحواجز الترابية والعسكرية وبالرغم من حالة التوتر الذي كانت تعيشها مدينة الخليل وبعد لحظات من اقتحام الجيش الصهيوني لحي وادي أبو كتيلة واعتقاله أكثر من 17 مواطنا من أقرباء الشهيد.
وتحدثت "أم أيمن" وأبكت الجمهور وقالت كيف ينام رائد وعبد الله القواسمة ومحمد سدر وكيف يعيشون بهناء وسعادة والأمة تقتل وفلسطين تنحر من الشمال إلى الجنوب!.
وأضافت "أم أيمن" قائلة: عشت أسعد أيام عمري مع أبو أيمن بالرغم من قصرها وبالرغم من أنه أمضاها بين الإبعاد والسجون والمطاردة والله أنني لم أكن أعلم أن هناك إمرأة على وجه الأرض أسعد مني وأهنأ عيشاً مني ولكن كيف أشعر بالسعادة وأطفال فلسطين يذبحون وبيوتهم تهدم وأشجارهم تقطع"، وقالت "أنا لا أتحدث هنا لأن رائد انتقم لزوجي والله إنني ما عرفت رائد إلا رجلا تقياً ورعاً محباً لدينه وعرضه لقد كان رجلا يعيش بسعادة وهناء ولا ينقصه من دنياه شيء ومع ذلك يتدافع إلى الموت وهذا كفيل بأن يخرس كل الألسنة التي تحاول أن تنال من مجاهدينا وأبطالنا واستشهاديينا إنه من الصعب على رائد أن يرى بيوت المسلمين تهدم وأشجارهم تقطع وأبنائهم يقتلون وهو نائم بسعادة وفي بيته".
وصية الشهيد رائد عبد الحميد مسك منفذ عملية القدس/شارع "حاييم بارليف" بتاريخ:19/8/2003.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين …الذي جعل للمجاهدين الأجر والتمكين وجعل للشهداء منازل الفردوس ومنازل عليين..والصلاة والسلام على شهيدنا وأمامنا وحبيبنا وقرة عين المجاهدين أمام المجاهدين وقائد الغر الميامين وعلى آله وأصحابه والتابعين…وعلى الشهداء والصالحين ومن سار على درب وطريقه وطريقهم إلى يوم الدين.. وبعد؛
فإنني أنا العبد الفقير الى الله.. أحوج العباد إلى مغفرته ومرضاته.
الشهيد الحي رائد عبد الحميد عبد الرزاق مسك "أبو مؤمن"
إنني سأكتب وصيتي هذه أملا من الله تعالى أن تكون خالصة لوجهه الكريم … وأن يجعلها شهادة خالصة في سبيل الله تراق فيها دمائي.. تتبعثر فيها أشلائي.. وتكون حجة لنا يوم اللقاء.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. وإنني اكتب هذه الوصية في عجالة من أمري ولن أطيل.. لقد سمعت قول الله تعالى يحثني وينادني (من المؤمن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينظر وما بدلوا تبديلاً) وقوله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك وهو الفوز العظيم)، ولقد رغبتني أحاديث الشهادة كحديث (للشهيد عند الله ست خصال.. وحديث أن الشهيد يأتي يوم القيامة لونه لون الدم وريحه ريح المسك.. وبيان منزلة الشهداء عند الله إنني لما سمعت ذلك قررت أن أقدم روحي ونفسي ومالي وبيتي وما أملك في سبيل الله لعل الله يقبلني عنده في الشهداء ويكرمني بكرامة الأولياء … ويكفيني فخراً أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته فكيف بي إذا أقبلت على الله شهيداً مقراً لعيون المؤمنين وشافياً لصدورهم (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين) أسال الله بشهادتي هذه أن أشفي صدور قوم مؤمنين.
وإنني إذ أقدم وصيتي هذه على شكل رسائل اسأل الله القبول.